تعريف الحق عند علماء العقيدة
تعريف الحق عند علماء العقيدة
الدرس القرأني بمسجد الرحمن الرحيم
ما هو الحق ؟ الحقيقة أن الحق لابس خلق السماوات والأرض، فكل شيء خلقه الله عز وجل هو حق ، كيف ؟ الآية الكريمة :
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾
( سورة التغابن الآية : 3 )
قال علماء التفسير : لابس الحق ، فالحق مشى مع كل شيء خلقه الله ، ولابس خلق السماوات والأرض .
أيها الإخوة ، ما تعريف الحق ؟ أحياناً الله عز وجل وصف آيات القرآن الكريم بأنها مثاني ، قال بعض العلماء : إن كل آية تنثني على أختها فتفسرها .
مثلاً : الله عز وجل قال :
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ﴾
( سورة ص الآية : 27 )
الآية الثانية :
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾
ما هو الحق ؟ نقيض الباطل ، ما هو الباطل ؟ الشيء الزائل ، فأي شيء باقٍ على الدوام إلى أبد الآبدين هو الحق ، وأي شيء زائل هو الباطل ، وقد قال الله عز وجل :
﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾
( سورة الإسراء )
وزهوق على وزن فعول ، وفعول من صيغ المبالغة ، وإذا بالغنا في الشيء فالمبالغة تتجه إلى الكم والنوع ، يعني أكبر باطل بالمئة السنة الماضية ، الباطل الذي شغل نصف العالم الشرقي ، والذي رفع شعار : ( لا إله ) ، ألم ينتهِ ؟
﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾
هذا الباطل عنده من القنابل النووية ما يدمر به القارات الخمس خمس مرات ، ومع ذلك :
﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾
يعني مليون نوع من الباطل زاهق ، وأكبر باطل زاهق ، فصيغة المبالغة تنصب على الكم أو النوع .
فلذلك :
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾
تعريف الحق :
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ﴾
فالحق نقيض الباطل ، والباطل هو الشيء الزائل ، إذاً : الحق هو الباقي ، فكم من مذهب وضعي ظهر في الأرض ؟ كم من إيديولوجيات مِن صنع الإنسان ظهرت ، ثم انتهت ، بل ثم أصبحت في الوحل ؟ لأنها باطلة ، أما هذا الدين العظيم ، مع أن العالم كله في قاراته الخمس يحاربه ، بل إن حرباً عالمية ثالثة أُعلنت على هذا الدين وهو شامخ كالطود ، وهو يزداد نمواً ، بل هو الدين الأول نمواً .
هذا الذي دعا بعض العلماء الغربيين الذين هداهم الله إلى الإسلام ، وقد زاروا جالية إسلامية في بريطانيا ، وزارنا عالم كبير في دمشق ، وذكرت له هذا القول ، فقال : أنا سمعت هذا القول من فمه ، وقاله أمامي ، قال : أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور ، لاتساع الهوة بينهما ، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين ، لا لأنهم أقوياء ، ولكن لأن خلاص العالم في الإسلام ، بشرط أن يحسنوا فهم دينهم ، وأن يحسنوا تطبيقه ، وأن يحسنوا عرضه على الطرف الآخر .
هناك معنى آخر : الله عز وجل قال :
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
ما هو اللعب ؟ هو العبث ، عمل بلا هدف ، كاثنين جلسا ليلعبا النرد إلى الساعة الثالثة ليلا ، ماذا ينتج عن هذا ؟ عمل بلا هدف، تضييع للوقت ، بتعبير آخر قتل للوقت ، أما لو قرأت كتابا ، لو التحقت بجامعة ، وقرأت الكتاب المقرر ، وفيه امتحان ، ونجحت أخذت شهادة ، الشهادة فيها تعيين ، والتعيين فيه دخل ، الدخل معه زواج ، الزواج معه بيت ، وعمل ، أي أثر مستقبلي ، هذا الباطل تضييع للوقت .
بالمناسبة أيها الإخوة ، الإنسان وقت ، الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، وما من يوم ينشق فجره ، إلا وينادي : يا ابن آدم ! أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة .
إذاً : الحق نقيض الباطل ، والباطل الشيء الزائل ، الحق إذاً الشيء الثابت والباقي والدائم .
الحق نقيض اللعب ، واللعب هو العبث ، والعبث عمل بلا أثر مستقبلي .
من صفات اللعب : لما يشتري الأب سيارة صغيرة لابنه ، ويمضي وقتاً طويلاً في تحريكها فوق أثاث البيت ، يرافق هذا التحريك صوت منه يدل على صعوبة الطريق ، هذه السيارة الصغيرة تملأ عالمه كله ، فلو أخذتها منه يكاد يموت من البكاء ، حينما يصبح طبيباً ، ويُذكر بأعماله ألا يضحك على نفسه ؟
من صفات اللعب أنك إذا تجاوزته رأيته صغيراً ، هذا لعب ، وقت ضائع ، عمل لا طائل منه ، عمل لا هدف له ، عمل لا جدوى منه.
فلذلك ورد في بعض الأحاديث :
( إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ، ويكره سفسافها ودنيها).
[ أخرجه الطبراني عن حسين بن علي ]
قال تعالى :
﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ﴾
( سورة النجم )
هناك إنسان في الأفق الأعلى ، و إنسان في الأفق الأدنى ، إنسان تشغله معالي الأمور ، وإنسان يعيش في سفسافها ودنيها ، فلذلك الحق هو الشيء الثابت والهادف ، ليس باطلاً فهو ثابت ، وليس عبثاً فهو هادف .
الإنسان أين بطولته ؟ أين ذكاءه ؟ أين عقله ؟ في أن يربط نفسه مع الحق ، فإذا ربط نفسه مع الحق فله مستقبل في الدنيا والآخرة ، أما إذا ربط نفسه مع الباطل ، ما دام هذا الباطل قائماً ينعم به ، فإذا أزيح الباطل انتهى معه ، فكل الذكاء ، وكل البطولة ، وكل النجاح ، وكل الفلاح ، وكل التوفيق ، أن تربط نفسك مع الحق الأزلي الأبدي ، الثابت الباقي في الدنيا والآخرة .
هؤلاء الذين وقفوا مع النبي الكريم في محنته ، في أقسى أيام الدعوة ، أين هم الآن ؟ في أعلى عليين ، أسماءهم في لوحة الشرف ، وهؤلاء الذين انضموا للباطل القوي الغني ، قريش بقدرتها ، وغناها ، وأسلحتها ، وحقدها ، وفتكها ، أين هم الآن ؟ في مزبلة التاريخ .
أيها الإخوة ، هذا كلام دقيق ، الله عز وجل واحد أحد ، فرد صمد، الحقيقة الإلهية حقيقة أحدية، وأيّ تصور ، وأيّ فكر ، وأيّ طرح يؤكد وجود الله ووحدانيته وكماله فهو الحق ، وأي سلوك يقرب إليه فهو الحق ، وأي إغفال لهذه الحقيقة الأحدية فهو الباطل ، وأي سلوك يبعد عنها فهو الباطل ، من هنا كانت البطولة أن تكون مع الحق ، وأن تكون مع الشيء الثابت .
يروى أن أحد خصوم أبي حنيفة النعمان التقى به عند جعفر المنصور ، أراد هذا الخصم أن يوقع أبا حنيفة في حرج كبير ، قال له : إذا أمرني الخليفة ـ هو في حضرة الخليفة ـ أن أقتل إنساناً ، أأقتله أم أتريث ؟ فلعله مظلوم ؟ فسأله : هل الخليفة على الحق أم على الباطل ؟ قال له : على الحق ، قال له : كن مع الحق ، سؤال محرج جداً في حضرة الخليفة ، وكان شديداً قاسياً جداً ، فسأله أبي حنيفة : الخليفة على الحق أم على الباطل ؟ لا يتجرأ أن يقول : على الباطل ، قال له : على الحق ، قال له : كن مع الحق ، فلما خرج قال : أراد أن يقيدني فربطته .
إخواننا الكرام ، مرة ثانية النجاح كل النجاح ، الفلاح كل الفلاح ، الفوز كل الفوز التفوق كل التفوق ، البطولة كل البطولة ، أن تكون مع الحق ، مع الثابت ، أن تكون مع الله ، سبحانك إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت .
تعريف الحق عند علماء العقيدة
بواسطة mausuahislamiyah
on
مارس 23, 2016
Rating:

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق