عفو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عمن ظلمهم
عفو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عمن ظلمهم
بقلم الشيخ محمد راتب النابلسي
![]() |
الدرس النحوي بجامع الأزهر |
عفو النبي عليه الصلاة والسلام عن أهل مكة
والله عز وجل عفو وأرادنا أن نتخلق بهذا الكمال من أرقى نماذج العفو البشر عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة الذين ناصبوه العداء عشرين عاماً، أخرجوه من دياره، نكلوا بأصحابه، حاربوه، تفننوا في إيذائه ثم انتصر عليهم هم في قبضته، هم تحت رحمته، بإشارة تقطع رؤوسهم جميعاً ينتهي وجودهم، فقال لهم: ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، عندها قال أبو سفيان: ما أعقلك وما أرحمك وما أوصلك.
أحد كتاب السيرة الغربيين الذين هداهم الله إلى الإسلام يقول عن سيد الأنام: كان محمد ملكاً، وسياسياً، ومحارباً، وقائداً، ومشرعاً، وقاضياً، وفاتحاً، ومهاجراً، مارس بالفعل جميع المبادئ التي كان يلقنها للناس، ولم تجد في القرآن حكماً أو أمراً لم يعمل به النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان يمارس بالفعل كل ما كان يدعو إليه بالقول.
هنا تكمن عظمة الأنبياء ما في مسافة أبداً بين أقوالهم وأفعالهم، ما اكتشف أصحابهم أنهم يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً آخر، كان يمارس بالفعل كل ما كان يدعو إليه بالقول، فالمرء مثلاً لن يكون عفواً (الكلام دقيق) إلا أن يكون له عدو يلقى منه أشد الإساءة ثم تدور الدائرة على هذا العدو فيقع في قبضته ويصبح تحت رحمته ثم يملك القدرة عليه، وأن ينتقم منه ثم يعفو عنه، وقد خرت جزيرة العرب صريعة تحت قدميه وأصبحت مكة قلعة العدو تحت رحمته، فلو شاء لقطع رؤوس القوم الذين كانوا بالأمس ألدّ أعدائه الذين اتخذوه هزواً وأمعنوا في اضطهاده والاستخفاف به ولو أنه عاقبهم بذنبه كان محقاً، ولم يكن ملوماً ولم تظهر فضيلة العفو قط بصورتها الكاملة في تاريخ أي دين من الأديان حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم، ولولاه لظلت هذه الفضيلة معطلة إلى الأبد، هو سيد الخلق وحبيب الحق وسيد ولد آدم، وقد أقسم الله بعمره الثمين.
عفو النبي عليه الصلاة والسلام عن أهل الطائف
عفو آخر له صلى الله عليه وسلم، تصور إنساناً سافر إلى بلد مشياً على قدميه ثمانون كيلو متراً إلى الطائف، وفي الطائف دعاهم إلى الله، كذبوه وسخروا منه، واستهزؤوا به، وقال له أحدهم: لو أنك صادق فيما تقول لمزقت أثواب الكعبة. ثم أغروا صبيانهم ونالوه بالأذى حتى سال الدم من قدمه الشريف، وهو يقول: إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى لكن عافيتك أوسع لي. الآن انظروا إلى عفوه أرسل الله له ملك الجبال، وقال: يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين، كلام دقيق يعني مكنه الله أن ينتقم منهم.
وفي رواية الأخشبين، اسمعوا الجواب قال: لا يا أخي، اللهم اهدِ قومي، انتمى لهم، ما تخلى عنهم، الإنسان اليوم يذهب إلى أوروبا يرجع كأنه ليس من هذه الأمة متخلفون، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون، انتمى إليهم، واعتذر عنهم، ودعا لهم، وتمنى على الله أن يخرج من أصلابهم من يوحده، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحده، هذه النبوة.
عفو النبي عليه الصلاة والسلام عن حاطب بن بلتعة
حاطب بن بلتعة، أرسل كتابا إلى قريش إن محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم، كيف تقيّم هذا الكتاب في أي نظام في العالم ؟ خيانة عظمي يستحق القتل، جاءه الوحي وأبلغه ذلك، أرسل من يأتي بالمرأة التي معها الكتاب في منتصف الطريق، ثم استدعى حاطب، قال: يا حاطب ما هذا ؟ قال: والله يا رسول الله ما كفرت ولا ارتددت، قبل أن يقول حاطب قال سيدنا عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: لا يا عمر، إنه شهد بدراً، انظروا إلى الوفاء، إنه شهد بدراً، لا يا عمر، يا حاطب ما هذا ؟ قال: والله يا رسول الله ما كفرت ولا ارتددت وإني لصيق في قريش وإني موقن أن الله سينصرك، أردت بهذا الكتاب أن تكون لي يد عندهم أحمي بها أهلي ومالي، فقال عليه الصلاة والسلام: إني صدقته فصدقوه، ولا تقولوا فيه إلا خيراً، هذه النبوة.
عفو النبي يوسف عليه السلام عن إخوته
عندنا نموذج آخر لسيدنا يوسف، طبعاً قصة معروفة إخوته تآمروا عليه وضعوه في الجب ليموت، الآيات، فلما دخلوا عليه وهو عزيز مصر:
﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ(88) ﴾
( سورة يوسف )
ضعاف فقراء وهو عزيز مصر:
﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ(89)قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ (90)﴾
( سورة يوسف)
عفو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عمن ظلمهم
بواسطة mausuahislamiyah
on
مارس 09, 2016
Rating:

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق