الحكمة أسلوب صحيح وفعال في الدعوة إلى الله

الحكمة  أسلوب صحيح وفعال في الدعوة إلى الله لفضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي
الأزهر هو من مصادر علم الحكمة
الحقيقة أن الحكمة أكبر عطاء إلهي، أنت بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة العاشرة، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، أنت بالحكمة تتدبر معيشتك بدخل محدود، ومن دون حكمة تبدد الأموال الطائلة، أنت بالحكمة تقلب الأعداء إلى أصدقاء، ومن دون حكمة تجعل الأصدقاء أعداء.
لذلك قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
( سورة البقرة )

بالمناسبة: الله عز وجل آتى المال لمن لا يحب، آتاه لقارون، وآتاه لمن يحب، وآتى الملك لمن لا يحب، آتاه لفرعون، وآتاه لمن يحب، سيدنا سليمان.
﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾
( سورة ص الآية: 35 )

الذين لا يحبهم أعطاهم أحياناً الملك كفرعون، والذين لا يحبهم أعطاهم الله أحياناً المال، ولكن الذين يحبهم ماذا أعطاهم ؟ قال:
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾
( سورة القصص الآية: 14 )
فأنت اسأل نفسك هذا السؤال: يا ترى العطاء من نوع عطاء الأنبياء ؟ آتاك الله حكمة ؟ آتاك الله علماً ؟.
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
( سورة النساء )

اسأل نفسك هذا السؤال المحرج: عطائي من الله من نوع عطاء الأقوياء والأغنياء ؟ أم من نوع عطاء الأنبياء ؟
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾
من عرف جميع الأشياء، ولم يعرف الله عز وجل لا يسمى حكيماً.
(( ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإذا فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
[من مختصر تفسير ابن كثير]


الحكمة أسلوب فعال للدعوة إلى الله
أيها الأخوة، أيضاً الحكمة قُرنت بكلمة الكتاب
﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾

فإذا قرنت الحكمة بالكتاب فتعني سنة النبي عليه الصلاة والسلام
﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ ﴾

القرآن
                                                        ﴿ وَالْحِكْمَةَ ﴾
بيانه وتفصيله، من قبل المعصوم.

والحكمة أيضاً جعلت أسلوباً في الدعوة إلى الله.
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
( سورة النحل الآية: 125 )

دقق في دقة النظم، أو دقة الصياغة،
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
يجب أن يكون كلامك حسناً، لأنه في دعوة إلى الله.
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 159 )

يعني النبي عليه الصلاة والسلام أوتي الوحي، أوتي القرآن، أوتي المعجزات ، أوتي الفصاحة، أوتي جمال الصورة، أوتي كل شيء، ومع ذلك يقول الله له أنت أنت يا محمد، على كل هذه الخصائص
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
ليس نبياً، ولا رسولاً، ولم يؤتَ القرآن، ولم يؤتَ الوحي، ولم يؤتَ المعجزات، وليس فصيحاً، وليس جميل الصورة، ومع ذلك في دعوته غلظة وفظاظة.
لذلك:
لا بد من العبارة الحسنة عند الجدال
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ﴾
بالاعتدال، بالتلطف، بالإحسان ، بالبيان، بأن تكون عوناً لأخيك على الشيطان، لا أن تكون عوناً للشيطان على أخيك، قال:
﴿ وَجَادِلْهُمْ ﴾
( سورة النحل الآية: 125 )
صار هناك حوار، بالمجادلة:
﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
( سورة النحل الآية: 125 )
يعني إذا في مئة عبارة حسنة بالجدال ينبغي أن تختار العبارة الأحسن، معنى الحُسن جاء صفة في الدعوة إلى الله
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
بينما في المجادلة والحوار جاءت الكلمة المشتقة من الحسن جاءت اسم تفضيل،
﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
مصدر الحكمة هو مخافة الله عز وجل
لذلك هناك عقل، وهناك ذكاء، الذكاء متعلق بالجزئيات، إنسان يحمل اختصاصاً نادراً، يحمل اختصاصاً في الفيزياء النووية، في الكيمياء العضوية، في الرياضيات الفلكية، اختصاصات نادرة، تدر على صاحبها أمولاً طائلة، فالذكاء متعلق بالاختصاصات المحدودة أما العقل متعلق بالكليات.
لذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم مجنوناً فسألهم سؤال العارف: من هذا ؟ قال: هذا مجنون، قال: لا، هذا مبتلى، المجنون من عصا الله.
قد تحمل أعلى شهادة، باختصاص نادر، لكن لأنك لا تصلي، لأنك لا تعرف الله، لأنك لا تعمل لآخرتك أنت لست عاقلاً، أقول أنت ذكي ولكن لست عاقلاً .
لذلك قالوا: ما كل ذكي بعاقل، تكون عاقلاً إذا عرفت الله، عرفت سر وجودك وغاية وجودك.
أيها الأخوة، رأس الحكمة مخافة الله.

الحكم بين أيدينا، لكن البطولة أن تطبقها، فأن تقرأ حكمة أو أن تفهم حكمة شيئاً، وأن تعيشها شيئاً آخر.
حظ الإنسان من هذا الاسم أن "الحكيم" من يتحلى بها، فالمؤمن حكيم، والمؤمن يفعل الشيء المناسب في الوقت المناسب، في المكان المناسب، مع الشخص المناسب، فأي مؤمن اتصل بالله عز وجل يشتق منه الحكمة، وكل إنسان طبق تعليمات الصانع يعد حكيماً ، وكل إنسان أطاع الله يعد حكيماً، وكل إنسان توجه إلى الله يعد حكيماً، وكل إنسان عمل لآخرته يعد حكيماً، نسأل الله جل جلاله أن يرزقنا الحكمة. والحمد لله رب العالمين 
الحكمة أسلوب صحيح وفعال في الدعوة إلى الله الحكمة  أسلوب صحيح وفعال في الدعوة إلى الله بواسطة mausuahislamiyah on ديسمبر 29, 2015 Rating: 5

ليست هناك تعليقات

مدون محترف