كيف تتلذذ بالصلاة الحلقة الحادية والعشرون في قوله تعالى اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ مع الشيخ مشاري الخراز

نقدم لكم كيف تتلذذ بالصلاة الحلقة الحادية والعشرون في قوله تعالى اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ مع الشيخ مشاري الخراز.
نسأل الله أن ينفعنا به في الدارين أمين. 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على رسوله محمد وعلى أله وأصحابه أجمعين.

تذكرون عندما تكلمنا عن الفاتحة ان الله تعالى قد كتب على نفسه لربوبيته للعالمين عندما ابتدأها. وأشار الى أن ربوبيته ربوبية الرحمة عندما قال الرحمن الرحيم بعد الحمد لله رب العالمين. وجعل تسبق ملك يوم الدين كما ان رحمته سبقت غضبه جل في علاه. ثم أعطاك الله المفتاح تنجو به ذالك اليوم وهو إخلاص العبادة له وحده عندما تقول: إياك نعبد وإياك نستعين. ولم تخلص إلا اذا أعانك فجعل بعدها إياك نستعين. فإذا أردت ان تعان فاطلب منه ان يهديك ويعينك وسوف يفعل سبحانه. فجعلت هذه الأية العظيمة الذي نحن الأن بصدرها: 

"اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ"
(الأية)

هذا الدعاء: "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" دعاء من العبد لله. 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذا كان أنفع الدعاء وأعظمه وأحكامه دعاء الفاتحة. 

أنفع الدعاء وأعظمه وأحكمه: "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" أي الصراط ؟ "صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ". قال شيخ الإسلام: فإنه اذا هداه الى هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته فلم يصبه شر في الدنيا والأخرة. 

أقول بالله عليك ماذا تفعل ؟ لولا يهديك الله الصراط المستقيم. قد 

يقول قائل طيب: لماذا أطلب الهداية اذا اهتديت أصلا ؟ أولا قبل كل شيء لا يمكنك أن تزكي نفسك. تقول أنا اهتديت. ما يمكنك لأن الله تعالى يقول:

"لَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ" 
(الأية)

وعلى فرض أنك على الهداية. فمن قال أنه لا يلزمنا ان نزداد من الهداية ؟ ابن القيم رحمة الله عليه يريد ان يعطيك سرا في طلبك الهداية الى الصراط المستقيم. انظر ماذا توجد في هذه الكلمة "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" فيها أبعد ما تتصور وأكثر مما تتصور. الصراط المستقيم يتضمن العلوم. 

قال ابن القيم: فإن الصراط المستقيم يتضمن علوما وأعمالا ظاهرة وباطنة تجري عليه كل الوقت. المسألة ليست بسيطة انظروا. قال: فتفاصيل الصراط المستقيم قد يعلمها العبد وقد لا يعلمها. طريقة الله عز وجل من الحلال والحرام والطاعة والمعصية قد يعلمها وقد لا يعلمها. 
قال ابن القيم: وقد يكون ما لا يعلمه أكثر مما يعلمه. طبعا فالله قال: 

"وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"
(الأية)

فتفاصيل الصراط قد تعلمها وقد لا تعلمها والذي لا تعلمه قد يكون أكثر مما تعلمه فتقول: "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" لماذا ؟ ليزيد علمه. طيب حتى الذي الجزأ التي تعلمه الذي هو أقل قد تقدر عليه وقد لا تقدر. يعني أنت تعلم الحج ولكن هل تستطيع الحج ؟ بعضهم يستطيعون وبعضهم لا يستطيعون. تعلم فضائل الصيام ولكن قد تستطيع الصيام وقد لا تستطيع ربما ليس عنده المال يتصدق. اذا لماذا "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" ؟. 

أعلم ولكن لأجل ان أقدر وحتى الذي تعلمه وتقدر عليه من العبادات قد تريده نفسك وقد لا تريده. تقدر ولكن قد أصيب الإنسان الكسل. تقدر ان تقوم صلاة الفجر في وقتها لكن لا تجتهد فتتثاقل وتصلي بعد طلوع الفجر. يقدر الرجل ان يذهب الى المسجد ولكن لا يذهب الى المسجد. تتاثقل نفسه فلا تذهب. لهذا ماذا يقول في الصلاة: "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" حتى نفسي طوعني كي أريد العبادة وان كنت أقدر عليه. 

طيب فإن كان أيضا نفسه تطوعه حتى لو فعل العبادة قد يأتي بالإخلاص وقد لا يأتي كي يراعي مثلا فنقول: "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" لنخلص. حتى لو أخلصت وتخلص قد تأتي بمتابعة النبي وقد لا تأتي. وهذان شرطا قبول العمل. اذا ما أيتيت بهما لا تقبل العبادة. عمل فيه الإخلاص بدون المتابعة فلا تقبل. متابعة بدون الإخلاص أيضا لا تقبل. انظروا كل هذا اذا ستجد: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" لأجل المتابعة والإخلاص. 

فإذا علم العباد وقدر عليها وأردتها نفسه وعملها وأخلص وتابع ماذا بقي عليه ؟ 
بقي شيء قال ابن القيم: يقول اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ أي ثبتني على هذا العمل. حتى بعد هذا كله تحتاج الى التثبيت فلن تتوقف عن اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ فإن القلوب بين أصبوعين من أصابيع الرحمن يقلبها كيف يشاء لذالك يحتاج الإنسان الى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ شديدا. والله ما ترك لنا ابن القيم شيئا.  
والصراط في يوم القيامة شأنه عظيم. 

عن أنس رضي الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم ان يشفع لي يوم القيامة فقال: "أنا فاعل ان شاء الله". اشفع لي قلت فأين أطلبك ؟ قال "أول ما تطلبني على الصراط" قال أنس: فإن لم ألقك على الصراط ؟ قال "فاطلبني عند الميزان" قال فإن لم ألقك عند الميزان قال "فاطلبني عند الحوض فإني لا أخطئ هذه ثلاثة المواطن" رواه الترميذي وصححه الألباني 

والصراط مضروب علامات الجهنم. 

"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الحفصة: لا يدخل النار ان شاء من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها فقالت الحفصة بلى يا رسول الله فانتهرها النبي عليه الصلاة والسلام فقالت حفصة وإن منكم إلا واردها فقال النبي عليه الصلاة والسلام وقد قال الله تعالى ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا- رواه المسلم" 

وهذا الصراط له الصفة أنه دحض مزلة يعني مزحلق الأقدام اذا توقفت عليه القدم قد تزحلق الإنسان. صفة صعبة كيف نمر عليه ؟ بحسب النور. 
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يعطي الناس نورهم على قدر أعمالهم. فمنهم من يعطى النور مثل الجبل العظيم يسعى بين أيديهم مثل الجبل ومنهم من يعطى نوار أصغر من ذالك. منهم من يعطى مثل النخلة في يده ومنهم من يعطى أصغر من ذالك حتى يكون أخرهم رجلا يعطى نورا على إبهام قدمه يضيع مرة وينقطع مرة. كيف يعبرون ؟ بعد الفصل ان شاء الله. 

لا زلنا نريد أن نرى كيف العبور على الصراط المستقيم. وزع النور على الناس بقدر أعمالهم. كل يأخذ نورا بقدر أعمالهم في الدنيا. منهم كالجبال ومنهم كالنخلة ومنهم كطولهم ومنهم كإبهامهم. قال عليه الصلاة والسلام: 

"ونيبكم صلى الله عليه وسلم قائم على الصراط يقول ربي سلم سلم" 

ربي سلم سلم. قال النبي عليه الصلاة والسلام فيقول الله عز وجل مروا. 

أتى وقت الإختبار. الأن قال فيمرون على قدر نورهم فمنهم من يمر كطرفة العين. طرفة العين كم تأخذ الوقت ؟. ومنهم من يمرون كالبرق ومنهم من يمر كالسحاب كيف السحاب يمر؟ ومنهم من يمر كانتضاض الكوكب  ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كشد الفرس. انظر الى سرعتها المتفاوتة. ومنهم من يمر كشد الرجال: الرجل السريع. 

وحافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة. الكلاب هو الحديد المثني عليه. مأمورة يعني تذهب الى فلان فلان. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تأخذ من أمرت به فمخدوش ناج" يعني أتته الكلاليب ولكن ما أخذت الخدش فقط بقدر معصيته. قال مخدوش في النار يعني ملقى في نار الجهنم. 

بعض الناس أول ما يضع قدميه في الصراط فإذا هو في وسط جهنم نعوذ بالله حتى يمر الذي يعطى نوره على قدر قدميه. تخيلوا الإنسان على قدر قدميه يمر نور بسيط. قال يحبو على وجهه ويديه ورجليه يحبو حبوا على الصراط. قال تخر يد وتعلق يد يكاد ان يسقط ولكن لا يسقط. قال وتخر رجل وتعلق رجل. قال وتصيب جوانبه النار فلا يزال كذالك حتى يخلص فإذا خلص انتهى ونجا من هذه الشديدة قال وقف عليها أي انار وقال الحمد لله الذي أعطاني ما لم يعط أحدا اذ نجاني منها بعد اذ رأيتها. 
مسكين يظن أنه أفضل رجل من أهل الجنة لشدة ما رأى. 

قال ابن القيم في الجواب الكافي كلام جميل لنرى مسألة المرور على الصراط كم قيمته ؟ 
قال ابن القيم: ان الله نصب لعباده صراطا مستقيما في الدنيا يرسلهم إليه 

"وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ"

 (الأية)

الحلال والحرام. قال: دعاهم جميعا إليه الكتاب والسنة. قال: فيهدي من يشاء الى صراط مستقيم بفضله ورحمته. فإذا كان في يوم القيامة نصب لخلقه الصراط المستقيم الذي علامته جهنم, قال يوصلهم الى جنته. 
الأول يوصلهم إليه في الدنيا والثاني يوصلهم الى جنته. قال: وأقام من أقام في الدنيا على هذا الصراط يعني من كان في الدنيا قد استقام على الصراط استقام يوم القيامة على الصراط وعلى جهنم ومن نكس نكس وهكذا. ان أكثر فأكثر وان أقل فأقل. 
قال ابن القيم: وجعل نور المؤمنين الذي في قلوبهم في الدنيا أصبح نورا ظاهرا لهم. 
كان نور المؤمنين في قلوبهم الأن أصبح ظاهرا يسعى بين أيديهم وبأيمانهم في ظلمات الحشر كما قال تعالى: 

"يوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ جنات  تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" 

(الأية)

هل استشعرت الأن عظمة الدعاء الذي تدعو به  في الصلاة: "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ". 
مفروض الأن ما يبقى جزأ قلبك إلا وهو يتحرك. انظروا كيف أنه عظيم. والله أرشدك شيخ الإسلام ابن تيمية عندما قال: إن هذا هو أنفع الدعاء وأعظمه وأحكمه. 
كيف ستقرأ الأمين بعد الفاتحة أمين أمين معناه اللهم استجب. الأن تخرج من قلبك. حاول الأن عندما تستحضر الأمين ان تستحضر كل هذه الأمور العظيمة الذي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم. 
أنت تحتاج ان تستحضر هذه الأمور لكي يستجيب الله عز وجل  ويهديك الى الصراط المستقيم فتخرج هذه الكلمة من قلبك بالصدق فيستجاب لها فإنها إنما خرجت من قلب غير غافل. 
أما اذا خرجت من قلبك وأنت لا تحس بشيء فلن تستجاب أمينك نعم. 

قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا ان الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه" رواه الترميذي وصححه الألباني 

قال ابن القيم في الصلاة وحكم تاركها: فينبغي بالمصلي ان يقف عند كل أية من الفاتحة وقفا يسيرة ينتظر جواب ربه له وكأنه يسمعه وهو يقول حمدني عبدي اذا قال الحمد لله رب العالمين. اذا قلت الحمد لله رب العالمين اسكت سكتة بسيطة كأنك تسمع جواب الله عز وجل. الرحمن الرحيم وقف لحظة أثنى علي عبدي.

فإذا قال ملك يوم الدين انتظر قوله مجدني عبدي. اذا قال إياك نعبد وإياك نستعين انتظر قوله هذا بيني وبين عبدي. وأنت تتلذذ بيقينك بهذه الكلمة. 
عن أم سلام رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته يقول الحمد لله رب العالمين ثم يقف الرحمن الرحيم ثم يقف.. 
فأنت كذالك هنيئا لك وأنت تسكت انتظارا لجواب الإله العظيم يكلمك وتكلمه في الصلاة من مثله ؟ 

والحمد لله رب العالمين