أنواع العبادة
أنواع العبادة
منقولا من درس الشيخ محمد راتب النابلسي
مسجد النبوي
فلذلك هناك أنواع من العبادة :- النوع الأول : عبادة الهوية
( عبدي أعطيتك مالا فماذا صنعت فيه ؟ في الآخرة لسان الحال لا لسان المقال ، يقول: يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي ، فيقول الله له: ألم تعلم بأني الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم ـ يسأل عبد آخر ـ أعطيتك مالاً فماذا صنعت في ؟ يقول : يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين ، لثقتي بأنك خير حافظاً ، وأنت أرحم الراحمين ، فيقول الله له: أنا الحافظ لأولادك من بعدك ) .
( ورد في الأثر )
لذلك قد يكون موقع الإنسان في الحياة أنه غني، والغني عبادته الأولى إنفاق المال، الآن سوف نسمي هذه العبادة عبادة الهوية، أنت من ؟ هناك إنسان آخر قوي يحتل منصبا رفيعا بجرّة قلمٍ يحق حقاً، ويبطل باطلاً، بجرة قلم يقر معروفاً، ويزيل منكراً، والإنسان كلما علا موقعه في مجتمعه اتسعت رؤيته.
أذكر مرة أنني أتيت إلى دمشق بالطائرة من قبرص ، وحينما دخلنا سواحل بلدنا الطيب رأيت بيروت وطرابلس معاً ، على ارتفاع أربعين ألف قدم يتاح لك أن ترى مئة كيلو متر معاً ، علمتني هذه الرؤية درساً ؛ أنه كلما ارتفع مقام الإنسان تتسع رؤيته ، وكلما ارتفع مقام الإنسان تزداد مسئوليته ، معلم في صف مسئول عن ثلاثين طالبا ، لكن مدير المدرسة مسئول عن ثلاثمئة وستين طالبا ، لكن مدير التربية مسئول عن محافظة ، إلا أن وزير التربية مسئول عن المناهج في البلاد كلها ، فكلما ارتفع مقام الإنسان ازدادت مسئوليته ، وهذا ما دعا سيدنا عمر بن الخطاب إلى أن يقول : ( لست خيراً من أحدكم ، ولكنني أثقلكم حملاً ) .
والمسئول الكبير حينما يدقق في معنى كلمة مسئول كبير يجب أن ترتعد فرائصه ، لأنه سيُسأل عن كل شيء ، سيدنا عمر أدرك هذه المسئولية ، وقال : ( والله لو تعثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها ) .
دخلت فاطمة بنت عبد الملك على سيدنا عمر بن عبد العزيز ورأته يبكي في مصلاه ، قالت له : " مالك تبكي ؟ قال : دعيني وشأني ، فلما ألحّت عليه قال : ويحك يا فاطمة ، إني قد وليتُ أمر هذه الأمة، ففكرت في الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، والعاري المجهول، واليتيم المكسور، والمظلوم المقهور ، والغريب والأسير، والشيخ الكبير والأرملة الوحيدة، وذي العيال الكثير والرزق القليل، وأشباههم في أطراف البلاد، فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً، وأن خصمي دونهم رسول الله، فخفت ألا تثبت حجتي ، فلهذا أبكي " .
لذلك أيها الإخوة ، القوي عبادته الأولى إحقاق الحق وإبطال الباطل ، رد المظالم لأصحابها ، هذه عبادته الأولى .
نتحدث الآن عن عبادة الهوية، مَن أنت ؟ أنت غني العبادة الأولى إنفاق المال، أنت قوي العبادة الأولى إحقاق الحق، أنت عالم العبادة الأولى التبيين والتوضيح، وألا تأخذك في الله لومة لائم، سئِل الإمام الحسن البصري: بمَ نلت هذا المقام ؟ قال:
" باستغنائي عن دنيا الناس ، وحاجتهم إلى علمي " .
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ
( سورة الأحزاب )
فلو أن هذا الإنسان الذي تصدى للدعوة خشي غير الله فما تكون النتائج ؟ يسكت عن الحق خوفاً منه ، وينطق بالباطل إرضاءً له، انتهت دعوته كلياً، لذلك قالوا: كلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تقرّب أجلاً .
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً
( سورة الأحزاب )
هذه عبادة العلماء التبيين ، التوضيح .
أنت امرأة، هويتك كامرأة عبادتك الأولى رعاية الزوج والأولاد، وقد ورد في بعض الأحاديث، ( اعلمي أيتها المرأة، و أعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ) .
والجهاد كما تعلمون ذروة سنام الإسلام ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام حينما فتح مكة دعته بيوتاتها أن يبيت عندهم ، فقال:
( انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة ).
(ورد في الأثر )
وركز لواء النصر أمام قبرها ، ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر شريكته في النصر .
أنت غني أو قوي أو عالم ، أو أنت امرأة ، لذلك العبادة الأولى متعلقة بهوية الإنسان ، هذا معنى آخر من معاني العبادة .
- النوع الثاني : عبادة الظرف
- انوع الثالث : عبادة الوقت
قصة سيدنا عمر والمرسل من قبل ولي أذربيجان
تروي بعض السير أن عامل سيدنا عمر على أذربيجان أرسل له رسولاً، هذا الرسول وصل إلى المدينة في منتصف الليل، فكَرِه أن يطرق باب أمير المؤمنين، فدخل إلى المسجد، وما كان فيه إضاءة، سمع رجلاً يبكي ويناجي ربه يقول: يا رب، هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي، أم رددتها فأعزيها ؟ سأله: من أنت يرحمك الله ؟ قال: أنا عمر، قال: أنت أمير المؤمنين ؟!!! يا أمير المؤمنين ألا تنام الليل ؟ فقال عمر: ( إني إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي ، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي ) ، لذلك ورد في بعض الآثار أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجل شاب يتعبد الله في وقت العمل ، فسأله :
( مَن يطعمك ؟ قال : أخي ، قال : أخوك أعبد منك ).
( ورد في الأثر )
وقت العمل عمل ، ووقت الفجر عبادة وتلاوة القرآن وقيام الليل ، وصلاة الفجر في المسجد :
( مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ).
( مسلم )
أحياناً العصر بمجمله له عبادة، إن أراد الطرف الآخر إفقار المسلمين فالعبادة الأولى استصلاح الأراضي، وإنشاء السدود، واستخراج الثروات ، وتطوير الصناعات من أجل أن نأتي بمال نحل به مشكلات المسلمين، هذه العبادة الأولى، وإذا أراد الطرف الآخر إضلالنا فتوضيح معالم الدين ، وترسيخ القيم الأخلاقية، ورد الشبهات، وتأليف الكتب والأبحاث هذه عبادة أيضاً، وإذا أراد الطرف الآخر إفسادنا فتأسيس المناشط الإسلامية، وصيانة أولادنا وشبابنا من الفساد الأخلاقي، هذه عبادة أيضاً، وحينما يريد الطرف الآخر إذلالنا يجب أن نضحي بالغالي والرخيص، والنفس والنفيس .
هذه عبادة تسمى عبادة العصر ، كل عصر له سمة .
أنواع العبادة
بواسطة mausuahislamiyah
on
فبراير 12, 2016
Rating:

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق